وقائع المصالحة المرتقبة بقلم يحيى رباح
-: عين الاخبارية :- نحن جميعا كفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، معنيون أكثر بأن تجلس المصالحة على أرض الواقع فعليا، وأن تتحول إلى وقائع وتفاصيل وإنجازات معاشة يوميا، وأن لا تظل معلقة هناك في العناوين والفرضيات والغيبيات أحيانا .
وبرغم أنني لست عضوا في أي من لجان المصالحة، ولكنني كمتابع ومهتم أتلقى العديد من الاتصالات اليومية، تتعلق كلها بالآليات العملية للمصالحة، متى يبدأ التسجيل من قبل لجنة الانتخابات المركزية؟ كم عدد المراكز التي ستقوم بالتسجيل؟
من هم الذين سيتولون هذه العملية؟ كيف سيتم اختيارهم؟ هل مدة التسجيل ستكون كافية وهل يمكن تمديد المدة لبضعة أيام أخرى؟ وماذا بشأن الأملاك المصادرة، والبيوت التي احترقت، وماذا عن المعتقلين، ما هي تصنيفاتهم، وكيف سنعرف إذا كان هذا المعتقل الذي سيتم الإفراج عنه هو معتقل سياسي أم أمني أم جنائي؟ وفي أي خانة يوضع من يعتقل على خلفية التعامل مع السلاح، أو من يقوم بالتحريض …. الخ.
أعتقد أن اهتمام الوعي الجمعي بهذه التفاصيل أمر جيد، وعلامة واضحة على أن الناس خرجوا من حالة الاحباط المتراكمة منذ سنوات، وبدأوا يتفاعلون مع الأمل الجديد، من خلال متابعة الوقائع والتفاصيل، وأن هناك جاهزية حقيقية على مستوى الشرائح الشعبية والاجتماعية للانخراط في هذه الحالة التي اسمها مصالحة، وأن تعويل بعض الفئات المشؤومة بان الشعب غير عابئ، وغير مصدق، وغير مهتم هو كلام كاذب، وفيه قدر كبير من الخداع، لأن الناس، الأغلبية الساحقة من الناس الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة، تعبوا كثيرا من الانقسام، يريدون الخاص منه، لعلهم بعد طي صفحته السوداء يعودون إلى بنود أجندة حياتهم الملحة، ينتظرون في ملف البطالة المتفاقمة الذي يهدد كل خرافات الأمن والأمان !!! ويعودون إلى إصلاح ملف الموظفين أبناء القطاع الذين تجمدت حياتهم عند نقطة الصفر، لا عمل، لا علاوات، ولا ترقيات ولا نسبة ولو ضئيلة من الوظائف !!! ويفتحون ملف الكهرباء التي ارتبكت حياتهم بسبب مشاكلها التي لا تحل فأصبح هناك موت كبير اسمه موت انقطاع الكهرباء الذي تحل بدلا منه الشموع القاتلة، والموتورات الصغيرة المنفجرة، والحياة اليومية التي تزداد بؤسا بسبب الخلل الدائم في هذا المرفق الحيوي !!! والاهتمام مجددا ببقية الخدمات الأساسية التي يجب أن تقدم للمواطن، لأنه تحت سقف الانقسام تتراجع الأجندة الحقيقية الملحة لصالح تراشقات الانقسام ودروبه الملتوية .
أعتقد أيضا ،،،
أن تمحور هذا الوعي الجمعي حول ضرورة المصالحة ووقائعها، وتفاصيل وآليات المصالحة يشكل أيضا نوعا من الضغط السياسي على النخب السياسية التي بيدها القرار، بيدها الحل والربط – كما يقولون – واشعارها بأنها ملاحقة ومراقبة ومكشوفة، وأن تقصيرها في الأمر لن يمر سدى .
أنا أشجع الناس على متابعة تفاصيل حياتهم، وأن يزدادوا بها علما ومعرفة ووعيا، وأشجع المثقفين على وجه الخصوص أن يكونوا مع الناس، أن يهبطوا على الأرض، أن يتركوا العناوين إلى التفاصيل، الخيالي إلى الواقعي، النظري إلى العملي، لكي نعبر عن حالة من الحضور الميداني، فمن المعروف أن الجائع يحلم بالخبز ولا يحلم بفلسفة الألوان !!! والعاطل عن العمل يحلم بفرصة عمل وليس بوقائع يوم القيامة !!! والذي فقد بيته في الأحداث – أي أحداث – يحلم ببيت يأوي إليه ويستر عائلته ولا ينشغل بما يسمى بعذابات القبر !!! ونريد أن يظل الحراك مركزا حول وقائع المصالحة حتى تتم فعلا، وتكتمل، ونرى هذا الانقسام ينتهي، وحكومة واحدة تتشكل، ويسترد شعبنا ملامحه الأصلية التي شوهها الانقسام .