علامات على الطريق صعودا الى الاستقلال بقلم يحيى رباح
اعتقد أن نقطة الارتكاز الأساسية التي يجب أن نحتشد حولها فلسطينيا هي تدعيم الثقة بالذات الوطنية الفلسطينية, و اعتبار هذه الذات الوطنية ممثلة بالشعب الفلسطيني على امتداد رقعة فلسطين التاريخية, و في مواقع الشتات و القريب و البعيد, هي الفاعل الأول في القضية الفلسطينية التي هي من أعقد قضايا التاريخ الإنساني ، لأن الخصم الرئيسي ، وهو الحركة الصهيونية ودولتها إسرائيل ، لديها ادعاءات ، وخرافات ، مغلفة بنصوص مقدسة مختلف عليها وغامضة جدا ، تدور كلها حول نفي التراث الوطنية الفلسطينية نفيا مطلقا ، و بالتالي فإن الحديث المرسل عن العمق العربي و العمق الإسلامي للقضية الفلسطينية, يجب أن يرتكز دائما, و يأخذ شرعيته و معناه, من الذات الوطنية الفلسطينية, و أن الاندياح بميوعة و دون حدود تحت سقف العمق العربي و الإسلامي, كان دائما مرحبا به من الحركة الصهيونية في الماضي, و من دولة إسرائيل في الحاضر, لأن الخصم لا يريد التحديد الحاسم, فيتهرب إلى كثرة و تداخل الأطراف التي تعطي نفسها الحق في التحدث باسم القضية, فتضيع القضية, ما دام صوتها الأصلي صوت شعبها, وصوت قيادتها تائها في الضجيج و تداخلاته المتحركة .
القضية الفلسطينية صالحة جدا للاستخدام, فهي قضية عادلة, وراسية في أعماق الضمير العربي والإسلامي ، ومخدومة جيدا بالنصوص الدينية والموضوعية ، وما أيسر أن يدخل الداخلون من نوافذها المتعددة ، وهذا كان دائما مصدر الصعوبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية !!! فهو ممزق بفعل هذا التداخل ، ومحظور بفعل هذا التداخل ، وهو مسرح للكبير والصغير ، للجاد والعابث ، لأصحاب الأدوار الحقيقية وأصحاب الأدوار الوهمية تحت سقف هذا التداخل !!! وقد صدمني المقال الذي كتبه قبل أيام ، شخص يائس وغريب الأطوار ولا تعرف هويته على وجه التحديد ، وهو الدكتور محمد المسفر ، الأستاذ الجامعي القطري ، الذي يستنكر وجود آراء سلبية تتعلق بزيارة سمو أمير قطر إلى قطاع غزة ، وهي آراء لبعض القيادات الفلسطينية الرئيسية ، بينما هذا الدكتور محمد المسفر لا يستنكر وجود آلاف الآراء المختلفة في فهم النص القرآني أو النص النبوي !!!
أليس عجيبا بالله عليكم ؟؟؟؟ لا أريد أن أستفرد في الحديث عن هذا النموذج البائس الذي يمثله الدكتور محمد المسفر ، ففي العادة ، فإن من يلبس دورا زائفا ينتهي به المطاف إلى الانكشاف والبؤس والخيبة !!!
ولكن الفكرة الرئيسية أن الفلسطينيين – رغم صعوبة أوضاعهم – يجب أن يثقوا بأنفسهم أكثر ، وخاصة في هذه الأيام التي يصعدون فيها إلى التصويت في الجمعية العامة ، كخطوة رئيسية نحو الاستقلال وقيام الدولة ، بينما الضغوط عليهم تصل إلى ذروتها ، ويجب أن يلجأوا إلى ذاتهم الوطنية أولا من أجل أن يتبلور لديهم عمق عربي وعمق إسلامي حقيقي ، ولا بأس من بعض التوافق الإيجابي لكي يحصلوا على ما يستطيعون الحصول عليه من الدعم ، دون أن يسمحوا لهذا الدعم الخبيث المسموم و الموجه أن يفسد هدفهم الرئيسي !!!
هل هذا صعب أو مستحيل ؟؟؟
لا اعتقد ذلك, فلقد كان الشعب الفلسطيني شعبا و أحزابا يوم إسقاط مشروع الإسكان و التوطين في صحراء سيناء, و في دلتا الفرات في منتصف الخمسينات !!! و لقد كانوا شعبا و أحزابا حين فجروا الثورة المعاصرة في مطلع عام 1965, و حين فجروا الانتفاضة, كانت هناك خلافات, و اجتهادات, و أنانيات, و محاولات استخدام من هنا و هناك, و لكن الذات الوطنية الفلسطينية استطاعت أن تحصر الأضرار في أضيق نطاق و أن تستثمر الفائدة في أوسع نطاق, و كان أن صعد الشعب الفلسطيني المحتل و المشرد كلاعب رئيسي على مسرح الشرق الأوسط .
أنا اعتقد كمراقب سياسي, أن الشعب الفلسطيني الآن أكثر نضوجا من الممارسة السياسية للعديد من القوى السياسية الفلسطينية, و قد كان النموذج الذي استندت إليه في الوصول إلى هذه الخلاصة, أن سمو أمير قطر جاء إلى قطاع غزة في لحظة اختناق قصوى, و كان من المفترض أن يلاقي أكبر قدر من المشاركة و المشاعر الفياضة, فلماذا لم يحدث ذلك ؟؟؟ و لماذا كانت المقاطعة شاملة إلى هذا المستوى غير المسبوق ؟؟؟ ليس ذلك كراهية في سمو الأمير, لا, ليس الأمر كذلك, فقطر تشكل حالة حضور متميزة في المشهد العربي و في المشهد المتعلق بالقضية الفلسطينية !!! و إنما لأن الناس في قطاع غزة, بوعيهم الوطني الحاضر, استكثروا على أنفسهم أن تبسط القضايا بهذه الطريقة, و أن يتجاهل أحد و لو عن غير قصد مرجعياتهم الوطنية التي تخوض المعركة و تواجه الضغوط و التهديدات .
هذه لحظة مهمة, لأن تقول فيها, أنه لا مساعدة عربية أو إسلامية يمكن أن تجدي بدون قناتها الرئيسية, و هي الذات الوطنية الفلسطينية ؟؟؟ فحين تساعدون, هل تساعدون التمزق و الانقسام و المشاريع الغامضة ؟؟؟
كان هذا هو السؤال الفلسطيني الذي لا يجب أن يتجاهله أحد .