مدارات حركة فتح في غزة بقلم عدلي صادق
ما يزال وضع حركة «فتح» في غزة، يراوح في دائرة التجاذبات، لا يبرحها ولا يرتفع عنها الى مستوى آخر، من انشطة التوعية والتآلف الشامل، في هذا الخضم الوطني العسير. ذلك علماً بأن محصلة تجارب الأطياف الفلسطينية كلها، تفتح للحركة، شبيهة الناس وقيثارتهم، آفاقاً لعمل جيّد، يُعيد لـ «فتح» زخمها، بخاصة أن منهجها في العلاقات الداخلية الفلسطينية، يظل تصالحياً ولا يطبق فكرة الاحتراب وإدامة الخصومة والانقسام الوطني. لكن ما يجري في قطاع غزة، يكرّس وضعية وجود فريقين، واحد يُكلف منه مسؤولون عن الأطر، والآخر يجري إقصاؤه على قاعدة تصنيف جزافي وولاء مفترض لشخص وليس للحركة. وفي هذا المنحى ما يُسيء بالمحصلة لجميع الفتحاويين، ويذهب بالعمل التنظيمي الى فشل بليغ. فلا يملك أحد حق الحكم على الكادر الحركي بهذه الطريقة العجيبة، ولا أقصاء كادر لم يتخل عن التزامه الوطني ولم يخرج عن قواعد الانتماء. واللجنة المركزية، ليست فوق النقد، لا سيما أن من بينها من يتغالظون في وصفها. فليس كل من ينقد عملها، يفعل ذلك وفق أجندة شخص أو فريق. والفتحاويون يتوخون الأفضل دائماً، والأساس في عملية حسم الحقائق والمواقف، هو الفرز الديموقراطي، إذ لا فلاح ولا صلاح، بمنطق الإملاء والإقصاء. ويتعيّن على كل من يريد أن يستقطب تأييداً في الإطار الحركي، أن يطرح ما عنده، وأن يبرهن على مناقبيته ومثابرته وتواضعه وعلى روحه الأبوية التي لا تتأفف من صاحب وجهة نظر أو موقف. إن ما جرى ويجري حتى الآن، ليس له نتيجة سوى تأليب الشباب بعضهم على بعض، وإفشال محاولة استعادة اللُحمة الفتحاوية، التي هي جوهر الرأي العام الشعبي في غزة. والكادر الفتحاوي المتقدم في السن وفي التجربة، ليس عنصراً قابلاً للاستقطاب، وإن كان من حقه أن يصادق ويقتنع بمن يشاء. فلكل منتمٍ الحق في إبداء رأيه في هذه القضية أو تلك. وربما تكون نتائج الانتخابات البلدية في الضفة، هي أحدث الدروس التي ينبغي أن تكون مستفادة، وأن تتعلم منها اللجنة المركزية، كيف لا يصح اختزال الكادر الفتحاوي بتصنيف جُزافي، ومن ثم إقصاؤه على أساس هذا التصنيف. إن مثل هذا المنحى يضر الحركة ويحرجها. فالفائزون من المرشحين على غير قوائم الحركة، عندما نجحوا، أكدوا على فتحاويتهم وعلى التزامهم بقيادتهم. معنى ذلك أن الخلل الأكبر، لم يكن في خروجهم على خيارات التكليف بخوض الانتخابات المحلية؛ وإنما هو في طريقة الاختيار التي أقل ما يُقال فيها أنها غير ديموقراطية. لا نريد أن نستدعي الأمثلة من الأحزاب الصهيونية في إسرائيل. نستدعيها من الأحزاب العربية التي تستعد لخوض الانتخابات العامة في إسرائيل. فالمؤتمرات هي التي تفرز وتقرر، لأن قدرات الكادر وأخلاقه ومناقبيته، واضحة للناس في الأطر القاعدية أكثر مما هي واضحة للناس في الأطار الأعلى. فهذا الأخير، لا ينوب عن الناس المعنية بأمر حياتها وقضاياها. واللجنة القيادية العليا، لم تستطع تحقيق الحد المطلوب من الانسجام بين أعضائها، لذا فإن اهتمامها يتركز على الإعصار الذي فوق وليس على الإعصار الذي تحت. فالديموقراطية هي المبتدأ والخبر. وهدف الحفاظ على وحدة الحركة، هو الأسمى. أما العمل الكيدي، فلا مستقبل له، ويشفق واحدنا المراقب من بعيد، حتى على الشباب الذين يضعهم المنهج الإقصائي في مواجهة إخوتهم ويفتح لهم باباً للسجال، وليس باباً للعمل والتقدم على طريق استعادة روح الحركة الرائدة. لقد كان من بين أهم تقاليدنا، استيعاب كل الاجتهادات والآراء، في إطار حركة واثقة من نفسها ومن إيمان الكادر بقضيته واعتزازه بإطاره التنظيمي. فليذهب الفتحاويون في غزة، الى عملية ديموقراطية قاعدية، مطمئنين جميعاً الى أن الكادر ليس قاصراً ولا مستقطباً ولا أجندة له سوى الوطن. لا نرغب الآن في وضع النقاط على الحروف، تحاشياً لأن يظن أي ضحل أو موتور، أننا في عمرنا الزمني والنضالي، وبفحوى وعينا، صغار ومستقطبون، مثلما يُقال اليوم عن متقدمين في السن وفي التجارب. نكتفي بالقول إن من يدفع الأمور في غير الاتجاه الديموقراطي، يخطئ في قراءة الواقع، وفي فهم التجارب وهضمها.