مدارات البديل السوري العادل بقلم عدلي صادق
تسع النـزعة الثأرية في سوريا على نحو مقلق. وتبعاً للتفوق الناري الكبير، الذي ما زال يمتلكه نظام الأسد؛ بدت هذه النـزعة أشد فظاعة في عمليات الجيش النظامي، وإن لاقت تجاوزات منضويين تحت لواء الجيش السوري الحر، تركيزاً أكبر، حتى بتنا اليوم نسمع عن جريمة حرب، اقترفها هؤلاء في محيط مدينة سراقب، أعدم فيها عدد من الجنود النظاميين؛ وكأن هذه المجزرة هي الوحيدة التي استحقت أقصى درجات الادانة.
في مقدورنا أن نتصور وضع الجيش السوري الحر في هذه اللُجة. فهو يتلقى دفقاً من مقاتلين أصوليين، جاءوا بعُدّتهم ومقدراتهم، ولم يكن يملك إلا استيعابهم لأنهم حاضرون بقوة، وهو في حاجة الى كل بندقية، مثلما هم في حاجة الى ما توافر للجيش الحر من شرعية ثورية، هي نقيض النظام الذي يقاتلونه، فيما هو ينفذ عمليات قتل عشوائية، لا تكبحها أية معانٍ أو ردود أفعال دولية. فلكي يمضي نظام الأسد في هذه المقتلة الكبرى، لم يتردد في تدمير نحو ثلاثة ملايين منزل في أرجاء سوريا، وأصبحت تتزايد أعداد القتلى يومياً، وتحولت سوريا من أقصاها الى أقصاها، الى مسرح للفظاعات.
لكن هذا كله وسواه، لا يبرر للهاتفين بنداء «الله أكبر» قتل أسرى يقعون في أيديهم مهما كان هؤلاء الأسرى يفعلون قبل استسلامهم. فالأسير، هو في الأساس، محارب يقع في أيدي من يحاربهم. ولو كان كل من يحارب يتعرض للإعدام حين يقع في قبضة أعدائه، جرّاء ما فعلت يداه أو لم تفعل؛ لما كان هناك أسرى في حروب التاريخ. فما بالنا عندما يكون الأسير من أبناء الشعب المغرر بهم. ثم هناك موانع وحسابات عسكرية صرفة، تمنع قتل الأسير، ناهيك عن الموانع الشرعية وما قررته أخلاق الحرب في الإسلام. ففي سيكولوجيا الحرب، يؤدي ذبح الأسير الى استبسال الطليق حتى وإن لم تكن لديه قضية عادلة. بل إن الطليق، الذي يعرف أن الذبح سيكون مآله لو وقع في الأسر، لن يجد أكثر أمناً من التحلي بشجاعة اليأس، وهذا نوع خطير من الشجاعة، يحرص المحاربون الأذكياء على تفاديه. ويقيني إن عرض رأس طيار أسير، منزوعة عن جسده، زاد من سعار زملائه الطيارين الذين يقصفون الآن. وربما يكون من بين الطيارين السوريين الذين يقصفون شعبهم ومدنهم وقراهم، من كان يفعل ذلك على مضض وبشيء من تأنيب الضمير. لكنه بات يقصف متخففاً من هذا التأنيب المفترض، عندما شاهد عبر شبكة الإنترنت، رؤوس زملاء له، مقطوعة ومعروضة بتشفٍ. وهذه حسبة عسكرية وعملياتية، لم يكن ينبغي أن تغيب عن أذهان ذوي اللحى الذين يهتفون بنداء التكبير لرب العالمين، ولا عن ضباط الجيس السوري الحر، الذين تخرجوا من معاهد عسكرية.
في القراءة الموضوعية، لما يحدث من تجاوزات، نلاحظ أن التركيز يكون كبيراً على جرائم حرب يرتكبها مقاومون لنظام مجرم. وعلى الرغم من ضآلة تجاوزات هؤلاء المقاومين، قياساً على ما يتكبده الجيش السوري النظامي بآلة الحرب التي يمتلكها؛ إلا أن أفاعيل المقاومين تلقى استهجاناً لافتاً، وتجلب الضرر لسمعة الثورة السورية، لأن أطرافاً دولية وإقليمية، سترى في القوى التي تقاوم النظام، بديلاً ظلامياً لا يقل عن النظام قسوة، بل يزيد عنه عداءً للبيئة الإقليمية ابتداءً، ويحُيله الى خانة القوى المتطرفة التي يطاردها النظام العالمي، ولا يرى فيها أهلاً لقيادم دول مدنية وأنظمة ديموقراطية.
صحيح، وفق القراءة الموضوعية، أن الأنظمة المستبدة تنتج أعداءها من صنفها. لكن موضع الاختبار لجدارة وصدقية أعداء النظام السوري، تكمن في قدرتهم على تحاشي الإنزلاق الى أية صفة من صفات النظام الذي يقاتلونه. والعجيب في أمر هؤلاء الإسلامويين الذين «يجاهدون» نظام بشار الأسد؛ أنهم يكتفون باللحى والتكبير للإفصاح عن هويتهم، وكأن هذه الهوية بلا ثقافة وبلا ضوابط شرعية، أو كأنها مجرد شعرات لحى وتكبيرات. لقد بدا واضحاً أنهم يجهلون الدين ولا يعرفون التاريخ. إن أفضل ما يمكن أن يصفهم به، مراقب من بعيد يتمنى سقوط بشار الأسد سريعاً، ينبثق الدعاء «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين». بينما الذي نتوخاه لسوريا ومن الثورة، هو أن يضرب الله الظالمين بالعادلين.
يخشى واحدنا على مسار الثورة السورية التي اضطرت لحمل السلاح دفعاً للموت المحقق، بعد أن قصف النظام التظاهرات السلمية وأتبع ذلك بقصف جنائز تشييع الضحايا، ثم بقصف المحيط الاجتماعي الذي يتواجد فيه الثائرون، من مشافٍ ومخابز ودور عبادة وأسواق ومعامل وحقول. وموضع الخشية، هو أن مسلحي الثورة السورية، دخلوا في نزاع مع الأكراد، وأتاحوا لمتطرفين إسلامويين أن يعربدوا تحت عناوين الثأر والحرب المذهبية، وهذا كله شر مستطير، يطال الأغلبية المظلومة في سوريا، ويؤثر سلباً على القوى السياسية المناضلة في الداخل، ويسد آفاق الدعم الإقليمي، ويزيد التوجسات والمحاذير، التي تنشأ عند المتعاطفين. لذا لا بد من تدابير عاجلة، لوقف التجاوزات، والحرص على تكريس أخلاق الحرب، التي يراعيها دائماً، كل المناضلين من أجل قضايا عادلة.