جمعني لقاء يوم أمس الأول الجمعة، مع عدد كبير من الاخوة الأعزاء في مجلس إقليم المنطقة الوسطى في قطاع غزة، وهو المجلس الأول الذي تشكل على مستوى قطاع غزة قبل أيام قليلة، ويضم عددا كبيرا ومبشرا من الكوادر الفتحويين من الرجال والنساء، الذين سبق لهم أن تولوا مهمات قيادية في تنظيم حركة فتح في القطاع، وكان لهم إسهام كبير في بناء الحركة ومؤسساتها وتكويناتها وإطاراتها القيادية والقاعدية، سواء على مستوى هياكل التنظيم نفسه، أو على مستوى المؤسسات الجماهيرية الواسعة مثل حركة الشبيبة، ومجالس الطلبة في الجامعات، أو مجال النشاط النسائي أو العمال والمعلمين، وفي مجال المكاتب الحركية للمهندسين والأطباء والفنانين والصحفيين والكتاب… الخ.
و بما أن حركة فتح هي حركة عريقة، يزيد عمرها الآن عن أربع وخمسين سنة، تتلاقح فيها الأجيال، الآباء والأبناء والأحفاد، وطالعة أساس من صلب الضرورات الفلسطينية، فإنها حركة كبيرة، ممتدة رأسيا وأفقيا، تزخر بالتجربة الكبيرة سواء على مستوى فلسطنة الحركة الوطنية، أو على مستوى إطلاق ثورة الكفاح المسلح الفلسطيني، أو بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتكريسها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وإطلاق الانتفاضتين الأولى والثانية، وإقامة أول سلطة وطنية فلسطينية فوق الأرض الفلسطينية، فإنها حركة تحتشد بالقيادات ذات الكفاءة المتميزة في كافة المجالات.
فكرة المجالس الحركية:
ولدت في المؤتمر العام السادس للحركة قبل ثلاث سنوات، وجوهر الفكرة أن هذا الثراء المتنوع للكادر الفتحوي على مستوى الأجيال، يجب استيعابه بشكل فاعل وحميم ومفيد في إطار الحياة اليومية لهذه الحركة الكبيرة مترامية الأطراف، وأن كل عضو في الحركة سواء كان على رأس مهمة يومية أو حتى دون مهمة محددة، يجب أن تستفيد الحركة من مجاله الحيوي، كجزء من نسيج المجتمع الذي يعيش فيه، وكنموذج للتجربة السابقة سواء كانت تنظيمية أو غير تنظيمية، ويجب أن يظل هذا الكادر موفور الكرامة والحضور، يعيش أجواء الحركة وصعوباتها ومهماتها الثقيلة، حاملا ما يستطيع أن يحمله من عبء المشروع الوطني الذي تحمل حركة فتح مسؤوليته الأولى منذ إنشائها في عام 1958، ومنذ إطلاقها للثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، وحتى صعود الرئيس أبو مازن إلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع والعشرين من أيلول الماضي.
اللقاء الذي كان وديا وتلقائيا مع الكادر الفتحوي في المنطقة الوسطى، تطرق إلى ما يمكن تسميته بالإبداع التنظيمي، بمعنى أن تتحول، نصوص القرارات الفتحوية، ونصوص النظام الداخلي والمرجعيات الحركية إلى نوافذ مفتوحة على الأفكار الملهمة، الأفكار الجديدة، وخاصة فكرة التجديد، وضخ الدماء الجديدة، وحيوية التجارب الجديدة، ذلك أن العمل الفتحوي هو في الأساس عمل تطوعي منطلقاته وعي الهدف النهائي، وهذه الحالة الطوعية لا يجب أن تقيدها روح البيروقراطية لأن كل نشاط تطوعي هو في الأساس خروج عن حدود اللحظة الراهنة، خروج عن حدود العادي، واستثمار لطاقة العضو المشعة في النزوع إلى الأفضل، والأرقى، والأكبر إشعاعا.
اعتقد أن بداية تشكيل المجالس الفتحوية في الأقاليم، تشكل المرحلة الثانية من مراحل مشروع الحركة الكبير في إحداث التغيير النوعي، وفي إعادة الهيكلية، وفي إدماج الحراك التنظيمي.
و كل دعوة إلى التجديد:
لا بد أن تقابلها ردات فعل سلبية بعضها محكوم بنمطية التفكير القديم، أو ضيق المصلحة الفردية، أو رهبة العادة المستحكمة، وهذا أمر طبيعي، وقد يحدث بسببه ضجيج كبير، ولكن منذ متى لم تكن فتح تثير العواصف؟
ألم تكن هي فتح أولا التي قلبت المعايير، وأعادت فحص المسلمات، وغيرت وجه الحياة الفلسطينية من أولها إلى أخرها؟ إن حركة بهذا الحجم والعمق والإبداع لا يمكن أن تخشى الغرق وهي تمخر العباب، ولا يمكن أن تخشى الصراخ والانفعالات والمكايدات أحيانا وهي تعبر إلى المستقبل.
و في كل مرة، نكتشف نحن أبناء فتح، أن هذه الحركة العظيمة هي اكبر ألف مرة مما كنا نعتقد، إنها حركة شعب بأكمله تشكل أطوار حياته وتداعيات قضيته السلم والحرب في هذه المنطقة من العالم.