فخامة الرئيس، باراك حسين أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، المحترم.
تحية طيبة وبعد
عقود طويلة مضت وشعبنا الفلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال، يعاني الظلم ويكابد القهر، ويذوق العذاب، يعيش المعاناة لحظة بلحظة، بفعل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية، المخالفة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية. عجزت كل المشاريع والمبادرات الإقليمية والدولية عن وضع حد لعذابه، ومساعدته في نيل حقوقه المشروعة في التحرر والاستقلال، دخلنا القرن الحادي والعشرين، ونحن الشعب الوحيد في هذا العالم، الذي لا يزال يعيش تحت الاحتلال، في وقت أصبح فيه من العار أن يكون هناك احتلال وظلم، والعالم أجمع يدعي الحضارة، ويتفاخر بحقوق الإنسان ويقدسها.
سيادة الرئيس
ما كان لهذا الاحتلال أن يستمر، ولا لهذه المعاناة أن تتفاقم بحق شعبنا الفلسطيني، لولا دعم وإسناد الإدارات الأمريكية المتعاقبة لدولة إسرائيل، وتوفير الغطاء السياسي والاقتصادي والعسكري لاستمرار احتلالها أرضنا ومضاعفة معاناتنا. إن إداراتكم المتعاقبة شريكة بفعاليّة في الظلم الذي لحق بشعبنا، ومساهِمة في الظلم والذل والقهر والهوان الذي نعيشه، بفعل دعمها للاحتلال، وإسنادها لسياسات إسرائيل المخافة للقانون الدولي، ولأدنى أساسيات ومقومات حقوق الإنسان، وبفضل هذا الدعم لا زلنا نحن الفلسطينيين نعاني ونذوق العذاب يوماً بعد يوم، بمختلف أشكاله وألوانه، وبقينا الشعب الوحيد في هذا العالم الذي لا يزال تحت الاحتلال.
لقد حانت الفرصة لتصحيح خطايا الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فقد قرر الفلسطينيون الذهاب للأمم المتحدة هذا الشهر بغية الاعتراف الأممي بدولة فلسطين. إننا نرى أنها فرصة تاريخية ليست لشعبنا فقط، بل لكم سيادة الرئيس، فرصة للتكفير عن خطايا إداراتكم المتعاقبة بحق هذا الشعب، والوقوف بجانب هذا المسعى الهادف لإرساء أسس سلام حقيقي وعادل في المنطقة، قابل للحياة والاستمرارية، يقوم على أساس العدل وتوازن المصالح، والمساواة والاحترام المتبادل بين شعوب المنطقة.
إن دواعي العدالة والإنسانية، واحترام حقوق الإنسان، التي تنادون بها، وتفتخرون أنكم روادها في هذا العالم -الذي لا يهمه سوى مصالحه والنفط أكثر من العدل-، تقتضي دعمكم ومساندتكم لهذا المسعى الفلسطيني، للتخلص من نير الاحتلال، وإقامة دولتنا الحرة المستقلة، على أرضنا الفلسطينية، لنعيش كباقي شعوب العالم. إنها فرصتكم التاريخية، فلا تفوتوها، لا تخضعوا للضغط الصهيوني، استجيبوا لنداء الحق والعدالة، انحازوا للسلام والمحبة والتسامح. إن العنوان الصحيح لممارسة الضغط ليس الفلسطينيين، بل دولة الاحتلال إسرائيل، لأنها الطرف المعتدي الذي يرفض السلام، ويسعى حثيثاً من أجل نسف أي جهد دولي، قد يحقق السلام والاستقرار في المنطقة.
سيادة الرئيس
التاريخ لا يرحم، وأعتقد أنه يُصنف القادة في خانتين، خانة العظماء وخانة الصغار، وسيادتكم من يستطيع أن يقرر، إما الدخول في خانة الكبار أو الصغار. تعلم فخامتكم أنكم ستخرجون يوماً ما من البيت الأبيض، فقرر أن تخرج كبيراً لا صغيراً، عظيماً لا وضيعاً، حان الوقت لتقولوا كفي للظلم والقهر، ونعم للعدالة والحق، لتدخلوا خانة العظماء من أوسع أبوابها.
إن الواجب الأخلاقي والإنساني يستوجب الوقوف في وجه الظلم والقهر، أياً كانت الجهة التي تمارسه، وإن تعطيلكم للمسعى الفلسطيني ما هو إلا مساندة للاحتلال والظلم والقهر والاستبداد، واستمراراً غير مبرر لسلسلة الخطايا التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية السابقة بحق شعبنا، وتنكر لمبادئ الحق والعدالة، التي تؤمنون بها وتنادون لتطبيقها في كل أرجاء العالم. فضلاً عن إضاعة فرصة ذهبية ربما لن تكرر لتحقيق السلام في المنطقة، السلام الذي ينشده شعبنا، وتحتاجه المنطقة والعالم بأسره. إن شعبنا الفلسطيني الذي عانى ويلات الاحتلال وظلمه، على مدار عقود خلت ولا يزال، وعانى ويلات القتل والقصف والهدم والتشريد والتدمير والاقتلاع، هو خير من يقدر القيمة الحقيقية للسلام، لأنه شعب يحب الحياة، بل يعشق الحياة الحرة الكريمة، على أرضه الفلسطينية، وفي كنف دولته المستقلة المنشودة، وهو شعب لا يهمه سوى تحقيق أهدافه، وسيسعي بكل الوسائل من أجل تحقيقها، ولن يبقى أسير الابتزاز والمواقف الدولية المتخاذلة، ولن يستكين بطبيعة الحال للظلم والقتل الذي تمارسه إسرائيل، ولتعذيب أبنائه وانتهاك حرماته، وضرب نساءه، وحرق مساجده، وتدمير زيتونه ومقومات حياته، ولإرهاب قطعان المستوطنين وكلابهم، الذين يمارسونه تحت حماية جيش دولة الاحتلال، التي توفرون لها الغطاء والحماية.
فلا تجهضوا هذا المسعى الهادف إلى إرساء السلام والعدل والمحبة والتسامح في الشرق الأوسط. لا تفوتوا الفرصة وتضيعوها، باستجابتكم للصفقات السياسية غير العادلة، والضغوط الإسرائيلية التي تهدف لتكريس الظلم على شعبنا، إن الوقوف مع العدل والسلام، لهو أسمى وأعظم من الإنحاء أمام الضغط، وهو من شيّم الكبار والعظماء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته